فصل: مناسبة الآية لما قبلها:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.سؤال وجواب:

فإن قيل: إن الله سميع عليم قبل أن قالت المرأة هذا القول، فما معنى هذا التقييد؟
قلنا: إن سمعه تعالى لذلك الكلام مقيد بوجود ذلك الكلام وعلمه تعالى بأنها تذكر ذلك مقيد بذكرها لذلك والتغير في العلم والسمع إنما يقع في النسب والمتعلقات. اهـ.

.تفسير الآية رقم (36):

قوله تعالى: {فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَالله أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (36)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما أخبر بما اقتضى مضى عزمها قبل الوضع أخبر بتحقيقه بعده فقال: {فلما وضعتها قالت} أي تحسرًا ذاكرة وصف الإحسان استمطارًا للامتنان {رب إني وضعتها} قال الحرالي: من الوضع وهو إلقاء الشيء المستثقل {أنثى} هي أدنى زوجي الحيوان المتناكح- انتهى.
ولما كان الأخبار عادة إنما هو لمن لا يعلم الخبر بينت أن أمر الله سبحانه وتعالى ليس كذلك، لأن المقصود بإخباره ليس مضمون الخبر وإنما هو شيء من لوازمه وهنا التحسر فقالت: {والله} أي الذي له صفات الكمال.
ولما كان المراد التعجيب من هذه المولودة بأنها من خوارق العادات عبرت عنها بما فقالت: {أعلم بما وضعت} وعبرت بالاسم الأعظم موضع ضمير الخطاب إشارة إلى السؤال في أن يهبها من كماله ويرزقها من هيبته وجلاله، وفي قراءة إسكان التاء الذي هو إخبار من الله سبحانه وتعالى عنها- كما قال الحرالي- إلاحة معنى أن مريم عليها الصلاة والسلام وإن كان ظاهرها الأنوثة ففيها حقيقة المعنى الذي ألحقها بالرجال في الكمال، حتى كانت ممن كمل من النساء لما لا يصل إليه كثير من رجال عالمها، فكان في إشعاره أن الموضوع كان ظاهره ذكرًا وحقيقته أنثى.
ولما كان مقصودها مع إمضاء نذرها بعد تحقق كونها أنثى التحسر على ما فاتها من الأجر في خدمة البيت المقدس بما يقابل فضل قوة الذكر على الأنثى وصلاحيته للخدمة في كل أحواله قالت: {وليس الذكر} أي الذي هو معتاد للنذر وكنت أحب أن تهبه لي لأفوز بمثل أجره في هذا الفرض في قوته وسلامته من العوارض المانعة من المكث في المسجد ومخالطة القومة {كالأنثى} التي وضعتها، وهي داخلة في عموم النذر بحكم الإطلاق في الضعف وعارض الحيض ونحوه فلا ينقص يا رب أجري بسبب ذلك، ولو قالت: وليست الأنثى كالذكر، لفهم أن مرادها أن نذرها لم يشملها فلا حق للمسجد فيها من جهة الخدمة.
قال الحرالي: وفي إشعار هذا القول تفصل مما تتخوفه أن لا يكون ما وضعته كفافًا لنذرها، لما شهدت من ظاهر أنوثة ما وضعت، فجعلها الله سبحانه وتعالى لها أكمل مما اشتملت عليه عزيمتها من رتبة الذكورة التي كانت تعهدها، فكانت مريم عليها السلام أتم من معهود نذرها مزيد فضل من ربها عليها بعد وفاء حقيقة مقصودها في نذرها- انتهى.
ويجوز أن يكون هذا من كلام الله سبحانه وتعالى كالحالية التي قبله إذا أسكنت التاء، والتقدير: قالت كذا والحال أن الله أعلم منها بما وضعت، والحال أيضا أنه ليس الذكر الذي أرادته بحكم معتاد النذر كالأنثى التي وهبت لها فدخلت فيه بحكم إطلاقه، بل هي أعلى، لأن غاية ما تعرفه من المنذورين أن يكون كأنبيائهم المقررين لحكم التوراة، وهذه الأنثى مع ما لها من العلو في نفسها ستكون سببًا في السؤال في نبي هو أعظم أنبيائهم، وتلد صاحب شريعة مستقلة، ثم يكون مقررًا لأعظم الشرائع.
ولما تم ما قالته عند الوضع او قاله الله في تلك الحالة أتم سبحانه وتعالى الخبر عن بقية كلامها وأنها عدلت عن مظهر الجلالة إلى الخطاب على طريق أهل الحضرة، وأكدت إعلامًا بشدة رغبتها في مضمون كلامها فقال حاكيا: {وإني سميتها مريم} ومعنى هذا الاسم بلسانهم: العابدة.
قال الحرالي: فيه إشعار بأن من جاء بشيء أو قربه فحقه أن يجعل له اسمًا، ورد أن السقط إذا لم يسم يطالب من حقه أن يسميه فيقول: يا رب! أضاعوني، فكان من تمام أن وضعتها أن تسميها، فيكون إبداؤها لها وضع عين وإظهار اسم، لما في وجود الاسم من كمال الوجود في السمع كما هو في العين، ليقع التقرب والنذر بما هو كامل الوجود عينًا واسمًا.
ولما كانت محررة لله سبحانه وتعالى كان حقًا أن يجري الله سبحانه وتعالى إعاذتها قولًا كما هو جاعلها معاذة كونًا من حيث هي له، وما كان في حمى الملك لا يتطرق إليه طريدة فقالت: {وإني أعيذها بك} وفي قوله: {وذريتها} إشعار بما أوتيته من علم بأنها ذات ذرية، فكأنها نطقت عن غيب من أمر الله سبحانه وتعالى مما لا يعلمه إلا الله، فهو معلمه لمن شاء.
ولما كان من في حصن الملك وحرزه بجواره بعيدًا ممن أحرقه بنار البعد وأهانه بالرجم حققت الإعاذة بقولها: {من الشيطان الرجيم} وفي هذا التخليص لمريم عليها السلام بالإعاذة ولذريتها حظ من التخليص المحمدي لما شق صدره ونبذ حظ الشيطان منه وغسل قلبه بالماء والثلج في البداية الكونية، وبماء زمزم في البداية النبوية عند الانتهاء الكوني، فلذلك كان لمريم ولذريتها بمحمد صلى الله عليه وسلم اتصال واصل؛ قال صلى الله عليه وسلم: «أنا أولى الناس بعيسى ابن مريم، من أجل أنه ليس بيني وبينه نبي، وبما هو حكم أمامه في خاتمة يومه وقائم من قومه دينه». اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الألوسي:

{فَلَمَّا وَضَعَتْهَا} الضمير لما ولما علم المتكلم أن مدلولها مؤنث جاز له تأنيث الضمير العائد إليه وإن كان اللفظ مذكرًا، وأما التأنيث في قوله تعالى: {قَالَتْ رَبّ إني وَضَعْتُهَا أنثى} فليس باعتبار العلم بل باعتبار أن كل ضمير وقع بين مذكر ومؤنث هما عبارتان عن مدلول واحد جاز فيه التذكير والتأنيث نحو الكلام يسمى جملة، و{أنثى} حال بمنزلة الخبر فأنث العائد إلى ما نظرًا إلى الحال من غير أن يعتبر فيه معنى الأنوثة ليلزم اللغو أو باعتبار التأويل بمؤنث لفظي يصلح للمذكر والمؤنث كالنفس، والحبلة، والنسمة فلا يشكل التأنيث ولا يلغو {أنثى} بل هي حالة مبينة كذا قيل ولا يخلو عن نظر، فالحق أن الضمير لما في بطني والتأنيث في الأول لما أن المقام يستدعي ظهور أنوثته واعتباره في حيز الشرط إذ عليه يترتب جواب (لما) لا على وضع ولد مّا، والتأنيث في الثاني للمسارعة إلى عرض ما دهمها من خيبة الرجاء وانقطاع حبل الأمل، و{أنثى} حال مؤكدة من الضمير أو بدل منه، وليس الغرض من هذا الكلام الأخبار لأنه إما للفائدة أو للازمها، وعلم الله تعالى محيط بهما بل لمجرد التجسر والتحزن، وقد قال الإمام المرزوقي: أنه قد يرد الخبر صورة لأغراض سوى الأخبار كما في قوله:
قومي هم قتلوا أميم أخي ** فإذا رميت (يصيبني سهمي).

فإن هذا الكلام تحزن وتفجع وليس بإخبار، وحاصل المعنى هنا على ما قرر فلما وضعت بنتًا تحسرت إلى مولاها وتفجعت إذ خاب منها رجاها وعلى هذا لا إشكال أصلًا في التأنيث ولا في الجزاء نفسه، ولا في ترتبه على الشرط، وما قيل: أنه يحتمل أن يكون فائدة هذا الكلام التحقير للمحرر استجلابًا للقبول لأنه من تواضع لله تعالى رفعه الله سبحانه فمستحقر من القول بالنسبة إلى ما ذكرنا؛ والتأكيد هنا قيل: للرد على اعتقادها الباطل وربما أنه يعود إلى الاعتناء والمبالغة في التحسر الذي قصدته والرمز إلى أنه صادر عن قلب كسير وفؤاد بقيود الحرمان أسير. اهـ.

.قال الفخر:

اعلم أن الفائدة في هذا الكلام أنه تقدم منها النذر في تحرير ما في بطنها، وكان الغالب على ظنها أنه ذكر فلم تشترط ذلك في كلامها، وكانت العادة عندهم أن الذي يحرر ويفرغ لخدمة المسجد وطاعة الله هو الذكر دون الأنثى فقالت {رَبّ إني وَضَعْتُهَا أنثى} خائفة أن نذرها لم يقع الموقع الذي يعتمد به ومعتذرة من إطلاقها النذر المتقدم فذكرت ذلك لا على سبيل الإعلام لله تعالى، تعالى الله عن أن يحتاج إلى إعلامها، بل ذكرت ذلك على سبيل الاعتذار. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
قوله: {فَلَمَّا وَضَعَتْهَا} الضمير في {وضعتها} يعود على ما- من حيث المعنى-؛ لأن الذي في بطنها أنْثَى- في علم الله- فعاد الضمير على معناها دون لفظها.
وقيل: إنما أنث؛ حَمْلًا على مضيّ النسمة أو الْجِبلَّة أو النفس، قاله الزمخشريُّ.
وقال ابنُ عطية: حملًا على الموجودة، ورفعًا للفظ ما في قوله: {مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا}.
قوله: {أنثى} فيه وجهان:
أحدهما: أنها منصوبة على الحال، وهي حال مؤكِّدَة؛ لأن التأنيث مفهوم من تأنيث الضمير، فجاءت {أنثى} مؤكدة.
قال الزمخشريُّ: فإن قلت: كيف جاز انتصاب {أنثى} حالًا من الضمير في {وَضَعْتُهَا} وهو كذلك كقولك: وضعت الأنثى أنثى؟
قلت: الأصل وضعته أنثى، وإنما أنث لتأنيث الحال؛ لأن الحالَ وذا الحال لشيء واحد، كما أنث الاسم في من كانت أمك؛ لتأنيث الخبر، ونظيره قوله تعالى: {فَإِن كَانَتَا اثنتين} [النساء: 176].
وأما على تأويل النسمة والجبلة فهو ظاهرٌ، كأنه قيل: إني وَضَعْتُ النسمةَ أنثى.
يعني أن الحال على الجواب الثاني- تكون مبيِّنة لا مؤكِّدة؛ وذلك لأن النسمة والجبلة تصدق على الذكر وعلى الأنثى، فلما حصل الاشتراكُ جاءت الحال مبيِّنةً لها، إلا أن أبا حيّان ناقشة في الجواب الأول، فقال: وآل قوله- يعني الزمخشري- إلى أن {أنثى} تكون حالًا مؤكِّدة، ولا يخرجه تأنيثه لتأنيث الحال عن أن يكون حالًا مؤكِّدة، وأما تشبيهه ذلك بقوله: من كانت أمّك- حيث عاد الضمير على معنى ما- فليس ذلك نظير {وَضَعْتُهَا أنثى}؛ لأن ذلك حَمْلٌ على معنى ما إذ المعنى: اية امرأة كانت أمك، أي كانت هي أي أمُّك، فالتأنيث ليس لتأنيث الخبرِ، وإنما هو من باب الحملِ على معنى ما ولو فرضنا أنه من تأنيث الاسم لتأنيث الخبر لم يكن نظير {وَضَعْتُهَا أنثى}؛ لأن الخبر تخصَّصَ بالإضافة غلى الضمير فاستفيد من الخبر ما لا يُستفاد من الاسم، بخلاف {أنْثَى} فإنه لمجرَّد التأكيد، وأما تنظيره بقوله: {فَإِن كَانَتَا اثنتين}. فيعني أنه ثَنَّى الاسمَ؛ لتثنية الخبر. والكلام يأتي عليه في مكانه إن شاء الله تعالى فإنها من المشكلات، فالأحسن أن يُجعل الضمير- في {وَضَعْتُهَا أنثى}- عائدًا على النسمة أو النفس، فتكون الحال مبيِّنة مؤكِّدة.
قال شهاب الدين: قوله: ليس نظيرها؛ لأن من كانت أمك حُمل فيه على معنى من، وهذا أنث لتأنيث الخبر ليس كما قال، بل هو نظيره، وذلك أنه في الآية الكريمة حُمل على معنى ما كما حمل هناك على معنى من، وقول الزمخشري: لتأنيث الخبر أي لأن المرادَ بمن: التأنيث، بدليل تأنيث الخبر، فتأنيث الخبر بَيَّنَ لنا أن المراد بمن المؤنث كذلك تأنيث الحال وهو أنثى، بيّن لنا أن المراد بـ {ما} في قوله: {مَا فِي بَطْنِي} أنه شيءٌ مؤنث، وهذا واضح لا يحتاج إلى فكر، وأما قوله: فقد استفيد من الخبر ما لا يستفاد من الاسم بخلاف {وَضَعْتُهَا أنثى}، فإنه لمجرد التوكيد ليس بظاهر أيضا؛ وذلك لأن الزمخشري إنما أراد بكونه نظيره من حيث إن التأكيد في كلّ من المثالين مفهوم قبل مجيء الحال في الآية وقَبْل مجيء الخبر في النظير المأما كونه يفارقه في شيء آخر لعارض، فلا يضر ذلك في التنظير، ولا يخرجه عن كونه يشبهه من هذه الجهة، وقد تحصل لك في هذه الحالة وجهان:
أحدهما: أنها مؤكِّدة إن قلنا: إن الضمير في {وَضَعَتْهَا} عائد على معنى ما.
الثاني: أنها مبيِّنة إن قلنا: إن الضمير عائد على الجبلة والنسمة أو النفس أو الجِبلَّة لصدق كل من هذه الألفاظِ الثلاثةِ على الذكر والأنثى.
الوجه الثاني من وجهي {أنثى}: أنها بدل من ها في {وَضَعَتْهَا} بدل كل من كل- قاله أبو البقاء.
ويكون في هذا البدلِ بيان ما المراد بهذا الضميرِ، وهذا من المواضع التي يُفَسَّر فيها الضميرُ بما بعدَه لفظًا ورتبة، فإن كان الضمير مرفوعًا نحو: {وَأَسَرُّواْ النجوى الذين ظَلَمُوا} [الأنبياء: 3]- على أحد الأوجهِ- فالكل يجيزون فيه البدلَ، وإن كان غير مرفوعٍ نحو ضربته زيدًا ومررت به زيدٍ فاختلِفَ فيه، والصحيح جوازه كقول الشاعر: [الطويل]
عَلَى حَالَةٍ لَوْ أنَّ فِي الْقَوْمِ حَاتِمًا ** عَلَى جُودِهِ لَضَنَّ بِالْمَاءِ حَاتِمِ

بجر حاتم الأخير بدلًا من الهاء في جُودِهِ. اهـ.

.من أقوال المفسرين في قوله تعالى: {والله أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ}:

.قال الألوسي:

{والله أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ} ليس المراد الرد عليها في إخبارها بما هو سبحانه أعلم به كما يتراءى من السياق بل الجملة اعتراضية سيقت لتعظيم المولود الذي وضعته وتفخيم شأنه والتجهيل لها بقدره أي والله أعلم بالشيء الذي وضعته وما علق به من عظائم الأمور ودقائق الأسرار وواضح الآيات، وهي غافلة عن ذلك كله، وما على هذه عبارة عن الموضوعة، قيل: والاتيان بها دون من يلائم التجهيل فإنها كثيرًا ما يؤتى بها لما يجهل به وجعلها عبارة عن الواضعة أي والله تعالى أعلم بشأن أم مريم حين تحسرها وتحزنها من توهم خيبة رجاها وأنها ليست من الولي إلى الله تعالى في شيء إذ لها مرتبة عظمى وتحريرها تحرير لا يوجد منه مما لا وجه له وجزالة النظم تأباه. اهـ.

.قال ابن عادل:

قوله: {والله أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ} قرأ ابن عامر وأبو بكر {وَضَعْتُ} بتاء المتكلم- وهو من كلام أمِّ مَرْيَمَ خاطبت بذلك نفسَها؛ تَسَلِّيًا لها واعتذارًا للهِ تعالى؛ حيث أتت بمولود لا يصلح لما نذرته من سدانة بيت المقدس.
قال الزمخشريُّ- وقد ذكر هذه القراءة-: تعني ولعل الله- تعالى- فيه سِرًّا وحكمةً، ولعل هذه الأنثى خير من الذكر؛ تَسلِيَةً لنفسها.
وقيل: قالت ذلك؛ خوفًا أن يُظَنَّ بها أنها تُخْبِر الله- تعالى- فأزالت الشبهةَ بقولها هذا وبينت أنها إنما قالتْ ذلك للاعتذارِ لا للإعلام- وفي قولها: {والله أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ} التفات من الخطاب إلى الغيبة؛ إذ لو جَرَتْ على مقتضَى قولها: {رَبِّ} لقالت: وأنت أعلم.
وقرأ الباقون: {وَضَعَتْ} بتاء التأنيث الساكنةِ- على إسناد الفعل لضمير أم مريم، وهو من كلام الباري تعالى، وفيه تنبيه على عِظَم قَدْر هذا المولود، وأنَّ له شأنًا لم تعرفيه، ولم تعرفي إلا كونه أنثى لا غير، دون ما يئول إليه من أمور عِظَامٍ، وآيات واضحةٍ.